المشاركات

رسائل قد لا تصل ٢

(٢)    رسائل عيد الميلاد    هذا عامك الواحد والستون قد أتى، أتى حاملًا طيفك الراحل، جوارك وحنانك، ابتسامتك ومزاحك، كنت دائمًا أتحاشى جعل الطلاب يكتبون عن الوالدين أو العائلة لألّا يكون بينهم فقيد فيحزن، أظن أنني أنا المصابة بهذا الداء فأسقطه على غيري.    يجب أن أبدأ الحديث معك بالسلام والسؤال عن حالك رغم معرفتي التامة بأنك بأفضل مكان خلقه الله جل في علاه، وأنا مدركة تمامًا أنك تعرف أحوالنا وأخبارنا، تشعر بنا وتحيطنا لكن أريد التحدث معك، أريد إخبارك بأني أكمل دراستي، عندما تخرجت من مرحلة البكالوريوس حدثت نفسي والآخرين بأني أمسكت آخر ما تبقى لي في هذه الجامعة وغادرتها للأبد، ذلك الأبد لم يكن بعيدًا كان فقط سنتان، أو ربنا ثلاث لا أعرف فأنا لا أجيد الحساب مثلك، هل يمكنني أن أكرر نفس الجملة عليك لتعود لنا أيضًا؟    لا أعرف إن كان من حقي أن أقارن نفسي بتلك الفتاة التي خرجت لتبرير كتابتها وحديثها عن أهلها الشهداء، هل يحق لي حقا أن أكون مثلها وأخرج لأبرر عن سبب كتابتي الدائم لك وعنك، عن أنني أريد للعالم أن يعرف من أنت، ولماذا أنت، أظن أنني سأعطي نفسي الحق بأن أتحدث، فالفقد واحد والألم على اختل

لماذا نكتب عند الحزن؟

 لماذا تُفتح قريحة الإنسان الأدبية في الحزن دون الفرح، لا يعرف الكتابة ولا حروف اللغة إلا وقت البكاء أمّا الفرح فاللغة تتبرأ منه، أظن أن للأمر سرًا يجب اكتشافه لأنه يُنبئ عن أمر ما، أو أنه تافه لكن نظرية المؤامرة التي نتبناها دائمًا في كل صغيرة وكبيرة قد ثارت في داخلي وقررت الخروج عن صمتها والبحث في هذا الأمر الجلل. حين بحثت عن الأمر لم أجد الجواب، فقط إنسانة واحدة قالت عن السبب، ليكون عنوان المقال "الحزن والجمال يدفعاني للكتابة... هكذا أجد روحي المفقودة"، هي بالحقيقة لم تؤكد أن الكتابة مقترنة فقط بالحزن، ستكتب في الحزن والفرح لأنها وبهذه الطريقة تجد جزءًا مفقودًا منها، لم أجد إجابتي بعد لكن يمكنني وصف هذا الأمر كما هي لأقول: "إن الكلم بالفرح يكون ساذجًا، لا يقوى الإنسان على نسجه من تفاهته عكس الحزن الذي يعرض للإنسان جل المعاني والمفردات الظاهرة والمفقودة، يربط اللسان كاللجام فلا يسترسل، تظهر علامات الفرح على وجهه فلا يسترسل، ترقص قدامه فيصمت اللسان فلا يسترسل، مع أن الحزن أيضًا يظهر على الوجه كما الفرح لكن اللسان ينطلق، يتألم فينتفض، يكت الغبار الذي تراكم عليه ويصعد على

شجرة النور

 تجتاحني رغبة قاتلة للبكاء لكنني لن أبكي، أظن أن الكتابة تعوضني قليلًا عن هذه الرغبة لأنني أعرف حقًا سبب هذه الرغبة الملحة، -أو الأسباب إن صح التعبير-، ومن بين جميع هذه الأسباب أمر واحد يستحق بحق أن أبكيه وأتوجّعه. سأدّعي أنني توقف العد منذ زمن وأن اليوم الموافق السادس والعشرين من حزيران يكون اليوم الثمانين بعد السبعمئة وأن اعتياد فكرة الغياب هو أمر مرهق جدًا، يخاف المرء أن يعتاد فكرة أن عزيزًا ما كان يعني له الكثير ذهب للأبد -الأبد الدنيوي في التعبير الإنساني-، أقلب في الصور، أراه، أبتعد، أغادر، يُلجم لساني فلا أدعو، ليس عقوقًا لكن لا أعرف، لعلي أعتقد إن لم أدعو سيأتي لحلمي يعاتبني فأكون محظوظة. في كل مرة تنبت شجرة، في نفس المكان، لا أعرف كيف تتحمل التربة نمو شجرتين من نفس النقطة! تتفوق الجديدة على القديمة دائمًا بالضخامة والسواد لكن لا أحد يعرف مصدرهم؛ من أين أتو وكيف نمو؟ ننام من دون أثر لها لنستيقط على وجود شجرة معمرة عمرها ألف عام، عمر الجذع ألف عام لكن عمرها الفعلي نصف يوم. وهكذا تواليًا في كل فترة عشوائية لا تحدد بزمن أو مقدار تتجدد الأشجار من نفس النقطة لتغطي المدينة كلها، من غ

يومياتي العزيزة

قبل سنتين قررت البدء بكتابة مذكراتي، كنت أظن أن الأمر سهل وأن صفحة واحدة تلخص يومي ليس بالأمر الجلل، هي مجرد صفحة تكتب وتطوى. اليوم عُدت للتفكير بالموضوع واكتشفت أن الموضوع أصعب، إن الأمر يتعدى مرحلة التلخيص، إنها تدوين لكل حدث مررت به في يومي، من تأخيري لصلاة الفجر لنومي بعد منتصف الليل، لأكتب مشاعري لا لألخصها، لأستيقظ وأمسك القلم وأقول "هذا الصباح سيكون جميلًا، يمكنني الشعور بذلك"، لأقول لنفسي أنني إن لم أكتب سأنسى وأن حياتي -على تفاهة أحداثها- إلّا أنها مهمة جدًا، فهو عمري، عمري الذي يمضي دونما هوادة. إن التدوين والكتابة أمرٌ صعب، كيف لإنسان أن يكتب معاني حياته لتصبح عرضة لِلْمَس البشري، فالفكرة ما إن خرجت من الرأس لم تعد ملكًا لصاحبها، لماذا نحن هنا؟ لماذا أنا اليوم حي؟ ماذا فعلت؟ كيف كان صباحي؟ هل كان مسائي مليئًا بالزقوم أم أن أنهار العسل كانت تجري من حوله؟ مع الذكر السبب، السبب الذي سيقتلني إن ذكرته، لا لشيء إلا لحالة الإنكار الدائم التي أتبناها، إنكار دائم للمشاعر، هي هنا في مكان ما في قلبي وعقلي لكن لن أتلفظ بها. نعود قليلًا للوراء لنروي أحداث اليوم باختصار شديد لأن

عشوائيات...

 أنا بتول أبلغ من العمر ٢٣ سنة، وتعمدت كتابتها بالأرقام لتُقرأ بكل الحالات الإعرابية (ضمًا ونصبًا وجرًا - كسرًا-)، سأنال اليوبيل البرونزي بعد سنتين من الآن لعيشي ربع قرن، ما علاقة هذا باليوم؟ لا أعرف فأنا أكتب عشوائيًا الآن كأي يوم أمر به، ككل الحالات النفسية التي مررت بها مرورًا بالإعراب وانتهاءً بعشوائية غير مفهومة لي أولًا قبل الباقيين. لا أعرف كيف سأنهي الحديث الآن... هل تسمحون أن يبقى مفتوحًا من غير إقفال؟ لا عليكم يمكنكم المرور من دون طرق هذا الباب الخشبي فالمكان للجميع ويتسع للجميع ما عداي فأنا سأغادر دون مفتاح . 

نص غير مكتمل...

 *هذا النص هرب من مفكرة العام الفائت ليختبئ هنا، ناقصٌ ولا أظن أن لديه فرصة للاكتمال، يطلب منكم ألّا تخبروا صاحبته أنه هنا لكي لا يُحذف." عامٌ جديد، في كل عام نكتب مهامنا وأهدافنا قبل بدء العام لندخلها بهمة ونشاط وسعي، نستذكر فيها هفوات العام المنصرم لألّا نكررها، الأول من كانون الثاني يوم سمج، يبدأ فيه الناس دائمًا بتلخيص أحداث العام السابق ويتعمدون إظهار الأحداث السعيدة فقط ولكي تبدو حياتهم مثالية يدسّون حدثًا حزينًا في منتصف قائمة الأحداث من باب عرض السيء والجيد طبعًا فحياتنا ليست مثالية ووردية ونحن نتعمد عرض الأحداث الجميلة فقط، واعتراضي هنا ليس على رحلة العام لأميرتنا ديانا ذات الصون والعفاف وصاحبة الفضل في إسعادنا برحلتها هذا العام، فلتفعل ما تفعل لا يهمني، ما يهمني طريقة العرض التي تفّهت هذه العادة، لا أعرف لماذا أنا غاضبة من هذا الحدث، قد يكون لأنني لا أستطيع كتابة رحلة العام؟ صحيح فأنا أكره هذا الحدث لأني لا أريد ولا أستطيع ولا أرغب، وجزء من عدم الرغبة يكمن بأن حياتي من الأساس مشاعة للعن، بأحداثها ومشاعرها فأنا أعيش بلا أسرار أو خبايا فلا أرى أي داعٍ لكل هذا الحوار من بدا

أضحى ٢٠٢٢م/١٤٤٣هـ

 عيد آخر يمر...  هذا العيد كان الوعي لفكرة الغياب أكثر، لا أعرف ما المناسب قول غياب أو عدم حضور، لا أظن أن كليهما في نفس المساق ينساقان، فكرة العدم بذاتها أصلا هي مصدر القلق، لكن كل ذلك لا يهم دام مقعده موجودًا وفارغًا في آن، مر عدد من الأيام، كان أكثر من الثلاثمئة بكثير، كل يوم يمر هو بمثابتة ثلاثمئة ذبحة ومذبحة، عيد آخر مر (بجميع تشكيلات حرف الميم يُقرأ)، أكتب الآن لألّا أنسى، أكتب لأتذكر اليوم والساعة والأحداث، أكتب لأُعيد تجرع المرارة ذاتها، تلك المرارة التي ما فتأت وتكررت لحظة بلحظة، مرارة الفقد والغياب. وعي الغياب وعي الغياب وعي الغياب، وصداها دائم التردد، وعيٌ يقودنا لندرك أن إبراهيم بالفعل خرج ولن يرجع، لندرك أنه أدى الأمانة وغادر، لندرك حقًا أننا نركض ركض الوحوش لسبب معلوم مجهول، مجهول بصدق وعلم، غياب يوصلنا للمشاعر ووعيٌ يقودنا للتغير وإن كان رغمًا عنا وفهمٌ لمعنى الغياب الحاضر، إدراك للحال والمحال، وحبٌ لأشياء لم تكن على أي خاطر وبال، وترديد دائم لبيت كثيّر عزة الذي يقول فيه:"ما كنت أدري قبل عزة ما البكا ولا موجعات القلب حتى تولت". عيد آخر يمر فيه من المجهول ما فيه