لماذا نكتب عند الحزن؟
لماذا تُفتح قريحة الإنسان الأدبية في الحزن دون الفرح، لا يعرف الكتابة ولا حروف اللغة إلا وقت البكاء أمّا الفرح فاللغة تتبرأ منه، أظن أن للأمر سرًا يجب اكتشافه لأنه يُنبئ عن أمر ما، أو أنه تافه لكن نظرية المؤامرة التي نتبناها دائمًا في كل صغيرة وكبيرة قد ثارت في داخلي وقررت الخروج عن صمتها والبحث في هذا الأمر الجلل.
حين بحثت عن الأمر لم أجد الجواب، فقط إنسانة واحدة قالت عن السبب، ليكون عنوان المقال "الحزن والجمال يدفعاني للكتابة... هكذا أجد روحي المفقودة"، هي بالحقيقة لم تؤكد أن الكتابة مقترنة فقط بالحزن، ستكتب في الحزن والفرح لأنها وبهذه الطريقة تجد جزءًا مفقودًا منها، لم أجد إجابتي بعد لكن يمكنني وصف هذا الأمر كما هي لأقول: "إن الكلم بالفرح يكون ساذجًا، لا يقوى الإنسان على نسجه من تفاهته عكس الحزن الذي يعرض للإنسان جل المعاني والمفردات الظاهرة والمفقودة، يربط اللسان كاللجام فلا يسترسل، تظهر علامات الفرح على وجهه فلا يسترسل، ترقص قدامه فيصمت اللسان فلا يسترسل، مع أن الحزن أيضًا يظهر على الوجه كما الفرح لكن اللسان ينطلق، يتألم فينتفض، يكت الغبار الذي تراكم عليه ويصعد على منبر الكلام ويبدأ، لعله يريد المواساه، يريد القلب أن يواسي نفسه، ليحتضن قلبه بنفسه، في الفرح الجميع موجود أما الحزن لك، لك وحدك أنت، تعيشه في قلبك بين جدران الذاكرة، ولعل السبب الأكثر شيوعًا يكون لأن الأصابع تعودت كتابة الحزن لا الفرح، رؤية الأسى لا الجمال، اعتادت... والاعتياد مخيف.".
يُقال أن الشاعر لو حظي بحبيبته لما وصل لنا هذا الجمال وأن المشكلة هي بيت قصيد القصة أو الرواية فلولا وجودها لما قُرِئَتْ. كتب كافكا في أحد رسائله لميلينا: "أحاول دائمًا أن أعبر عن شيءٍ لا يمكنني التعبير عنه، أن أشرح شيئًا لا يمكن شرحه، أن أتحدث عن شيءٍ في داخلي، شيء لا يمكن التعبير عنه إلا وهو مازال في الداخل." فلعل الحزن والألم هو مرآة الأدب، يكشف دواخل اللغة ليس فقط دواخل الإنسان وأن اللغة تحتاج لمعاناة لتخرج لا لفرح، فالفرح للجميع أما القرحة القلبية -خاصة تلك التي يُعبّر عنها ويُكتب فيها- لتلك الفئة التي يقدرونها.
تعليقات
إرسال تعليق