إطار النظارة

     كُسرت نظارتي وكان هذا الحدث حديث الشارع (شارعي أنا طبعًا)، ليس لأهمية الحدث بل لأن لساني لا يعرف الصمت، لم أذكر يومًا أن حدثًا حصل معي ولم أتكلم معه، من أكبر الأحداث سواء أدمت قلبي حزنًا أم حتى تلك التي جعلت قدماي ترقصان دون إذنٍ أو تفكير إلى أصغر حدث كسقوطي عن الدرج مثلا الشهر الفائت، لا سرّ شخصي يبقى في جعبتي لذلك أنا المثال الحقيقي لجملة "والله إنها لكتاب مفتوح، تدرك أوله وآخره"، يبدو أنني أسهبت في شرح مدى عمق صمتي وكيف أنني شخصٌ كتوم حقًا وهذا رائع جدًا فيجب على الإنسان أن يكون كتومًا في النهاية، بل لنقل فرضًا كما أفعل أنا الآن وللأبد.

     في بداية اليوم استيقظت لأبدل إطار النظارة للحفاظ على العدسات القيمة، لن أتحدث عن مدى حزني في تغييره لأن جميع من عرفني عرف تميّز هذا الإطار في تفاصيله وجماله، حاولت مقاومة البؤس في تبديله وشرعنا في البحث عن بديل، أخرج لنا الطبيب ٣ إطارات جديدة تناسب العدسات ولكن عيني ما انفكت تنظر إليه، ليس لجماله بالطبع لكنه كان يشبه نظارة أبي، رأيت الأجمل منه والأرق لكن عقلي ما زال هناك، دخلنا إلى المكان الثاني والثالث لكن تفكيري هناك، هو غير جميل وغير مبهج وشبابي جدًا ولم يعجبني لكن قلبي قال لي خذيه، كنت حزينة ولم أرد الاعتراف أبدًا بذلك، ولم يدرك أحدٌ بأن الأول والثاني والعاشر سيكون دائمًا بسببه هو وتقليدًا له حتى لو لم يكن مريحًا أو فاتنًا أو جذّاب، وأن الأول كان فيه ذلك الشبه حتى لو كان قليلًا وفرحتي فيه كانت تتلخص بذلك الشبه. 

     بكيت كثيرًا عليه وعلى نفسي وعلينا، وقد لازمني ذلك السطر من رواية شرق متوسط حين قال‏: "ولا أعرف لماذا بكيت فقد تجمعت الأحزان في قلبي فجأة وبكيت"، كان إطار النظارة حجة واهية جدًا للبكاء مع عدم الامتناع لوجودها، أسباب لا تحصى تجعل الإنسان يبكي بلا توقف وكأن البكاء فرضٌ يجب تأديته وإلا تحاسب وتزداد ذنوبك فوق ازديادها أساسًا، في لحظة ما ومهما كان ما بنيته منيعًا وحصينًا ينهار فجأة، وكأن قاعدة البناء كان عسفة نخيل، وما يعزينا حقًا في كل ابتلاء أن الله هو المنجي والمنقذ في كل شيء وأن الحياة وإن بدت قاسية جدًا فرحمات الله تنزل على عبده باختلاف الأوقات والأشكال ، وأن البكاء ما هو إلا أحد رحمات الله التي تعيدنا له وأن عسفة النخيل تلك هي هدية الله لنا لنعيد تشييد بناءٍ قائم على التسليم والاستسلام والتوكل، كان دائمًا معنا، بحبه وكرمه ورحمته، عالمٌ بحالنا، أفكارنا، مشاعرنا، وحتى انهياراتنا التي يسخرها لنا، فهو مولانا والله على كل شيءٍ قديرٌ.

تعليقات

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رسائل قد لا تصل ٢

يومياتي العزيزة

لماذا نكتب عند الحزن؟